روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | حب.. الصالحين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > حب.. الصالحين


  حب.. الصالحين
     عدد مرات المشاهدة: 7278        عدد مرات الإرسال: 0

اللهم لك الحمد خيرًا مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك.

ولا إله إلا أنت من أطاعك قربته، ومن تقرب إليك أحببته، ومن عصاك أدبته، ومن حاربك خذلته وأهنته، في السماء ملكك.

وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي النار سطوتك، وفي الجنة رحمتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك.

لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، والصلاة والسلام على معلم الخير.

وهادي البشرية، ومعلم الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية، صلى الله عليه وسلم ما تعلقت عين بنظر، وما اتصلت أذن بخبر، وما هطل مطر، وما هتف ورق على شجر، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

وإذا صاحبت فاصحب ماجدًا ذا عفاف وحياء وكرم

قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم

هذان بيتان للمجاهد الزاهد عبد الله بن المبارك رضي الله عنه يدعو فيهما إلى حب الصالحين، وتولي الأبرار، ومرافقة الأخيار.......

الولاء والبراء من عقيدة أهل السنة والجماعة

إن الولاء والبراء من عقيدة أهل السنة والجماعة، وإن حب الصالحين جعل محمدًا عليه الصلاة والسلام يشتاق لـبلال الحبشي، وسلمان الفارسي، وصهيب الرومي.

إن هذا الدين أخرج صلاح الدين من الأكراد، ومحمد الفاتح من الأتراك، فجعلهم في سبيل الله.

إن التولي عن هذا الدين جعل أبا طالب وأبا لهب وأمية بن خلف في النار، وعقيدة الولاء والبراء وحب الصالحين وبغض المعرضين هي عقيدة كعقيدة الصيام والصلاة والزكاة.

والله يصف أولياءه فيقول: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].

فحب الصالحين طريق إلى الجنة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول عن هذا الحب: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان} وللإيمان حلاوة وذوق، لا يذوقه أهل البارات والخمارات، ولا أهل القصور والدور، ولا أهل المناصب والبساتين، ولا أهل ناطحات السحاب إذا كانوا بلا إيمان.

فالإيمان له حلاوة يذوقها أولياء الله: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان-منها-: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله} لا للونه أو نسبه، ولا لمنصبه أو شهامته أو عصبه، ولكن لأنه مؤمن بالله العظيم.

ويقول سبحانه: الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] والعداوة تظهر يوم القيامة، وفي أثر: {أن الله ينادي الناس يوم القيامة، فيقول: يا أيها الناس! إنني جعلت نسبًا، أو جعلتم نسبًا فوضعتم نسبي ورفعتم أنسابكم، قلت: إن أكرمكم عند الله أتقاكم، فقلتم: أكرمنا فلان بن فلان وفلان بن فلان، فاليوم أضع أنسابكم وأرفع نسبي، إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.

وقف حبيبنا صلى الله عليه وسلم على الصفا يعلن حقوق الإنسان، ويتكلم عن فضل الإنسان، وما ميزه الله به، وما هو أساس التمايز والتفاضل بين الناس، فيقول لبني هاشم-أسرة الريادة في العالم ولا يوجد أشرف من بني هاشم في الكرة الأرضية-

قال: {يا بني هاشم! لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه} والمقصود هنا: أن من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان-وهذا هو أساس الدين-.

قال ابن عمر: [[والله الذي لا إله إلا هو، لو أنفقت أموالي غلقًا غلقًا في سبيل الله وصمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه، ثم لقيت الله لا أحب أهل الطاعة، ولا أبغض أهل المعصية، لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار]].

حب السلف بعضهم لبعض

الشافعي-الإمام العلم- هاشمي، ولكن ما نظر إلى هاشميته، ولا إلى قرشيته، بل نظر إلى تعامله مع الله، يقول في البيتين المشهورين:

أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة


وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة


يقول: أنا عاصي، لكن لا أحب العصاة، وأنا مقصر في الطاعة، لكني أحب الطائعين، يقول الإمام أحمد له:

تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم يرتجى نيل الشفاعة


يقول: من أين خرج الإسلام إلا من بيتكم، ومن أين أشرقت شمس الرسالة إلا من عقر داركم، فأنت من الصالحين، ومن مثلك تطلب الشفاعة لصلاحك وخيريتك.

كان الشافعي أكبر سنًا من أحمد، وكان أكثر علمًا في أصول الفقه والفقه، وكان يزور أحمد في بيته، فقال له تلاميذه: تزور أحمد وأنت أكبر سنًا من أحمد، فرد ببيتين يقول فيهما:

قالوا: يزورك أحمد وتزوره قلت: الفضائل لا تغادر منـزله


إن زارني فلفضله أو زرته فلفضله فالفضل في الحالين له

فضل الحب في الله

رفعهم الله، لأن محبتهم في الواحد الأحد، وصح عنه عليه الصلاة والسلام: {أن رجلًا زار أخًا له في قرية، فأرصد الله في طريق هذا الزائر ملكًا من الملائكة، فوقف للزائر، قال: أين تريد؟ قال: أريد فلان بن فلان، قال: ماذا تريد منه؟

قال: أحبه في الله، فأريد زيارته في الله، قال: أمالك من نعمة عنده تربها؟- أي: تردها بقاءها؟- قال: لا. والله الذي لا إله إلا هو، ما زرته إلا في الله، قال: فأنا ملك أرسلني ربي أخبرك أن الله غفر لك ولصاحبك}.

وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إذا التقى المسلمان فتصافحا، تحاتت خطاياهما كما تحت الشجرة ورقها}.

الإسلام يُبنى على الحب، والحب شجرة الإسلام، ولا يمكن أن تكون وليًا لله حتى تحب أولياء الله، فمن هم أولياء الله؟

هم أهل المسجد والمصحف والحديث والاستقامة والخير للمسلمين، قال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ [المائدة:55-56].

أثر غياب عقيدة الولاء والبراء

لما مات الولاء والبراء، أصبح الكافر مقدم عند بعض المسلمين على المؤمن المصلي، ورأينا من سلخت شعائر العبادة والتوجه إلى الله من قلبه؛ يقدم الكافر الأشقر الوثني على المسلم المصلي لا لشيء، وإنما لأنه مهزوم من داخله، في قلبه مرض فزاده الله مرضًا، ينظر لهذا المسلم بعين الحقارة، وينظر لهذا الأشقر الأحمر بعين التعظيم والحضارة والمادة والصناعة، وهذا من الرذيلة التي ما بعدها رذيلة.

كتب أحدهم سؤالًا يقول لنا: أخٌ في شركة إذا حضر وقت الغداء، تركنا وذهب يتغدى مع الخواجات.

قلنا: المرء يحشر مع من أحب، فهو يحشر معهم، ولولا هذه الانهزامية في قلبه، ما فَعَل ما فَعَل، بل تجد بعض الناس يقدم للكافر من الخدمات والاحترام مالا يقدم عشر معشاره لإخوانه المسلمين، لأن صورة الإسلام ما وضحت في قلبه.

[[عمر رضي الله عنه كتب له أبو موسى من العراق، فقال: عندنا نصراني وهو كاتب حذق فطن، فهل يكتب لي؟ فكتب له عمر: لا يكتب لك، فرد أبو موسى وقال: إنه كاتب حذق، فرد عمر قال: قاتلك الله! تقربهم بعد أن أبعدهم الله، وترفعهم بعد أن أهانهم الله، وتكرمهم بعد أن أذلهم الله، لا يكون لك كاتبًا أبدًا]].

إذا علم هذا، فيا إخوتي المسلمين! عاش السلف على هذا المنهج الرباني: أن تحب الرجل لا تحبه إلا لله.

{قام عليه الصلاة والسلام خطيبًا، فتحدث فقاطعه أعرابي، وقال: متى الساعة يا رسول الله؟ فلما انتهى قال: ماذا أعددت للساعة؟ قال الأعرابي: يا رسول الله! والله ما أعددت لها كثير صيام ولا صدقة ولا صلاة، ولكني أحب الله ورسوله، قال عليه الصلاة والسلام: المرء يحشر مع من أحب} وهذه قضية كبرى في حياة المسلم تجعله يحب الصالح لنفسه.

معرفة صاحبك وجليسك

قال رجل لـابن المبارك: مع من تنصحني أن أجلس؟ قال: اسمع مني، قال: نعم قال:

من كان ملتمسًا جليسًا صالحًا فليأت حلقة مسعر بن كدام

فيها السكينة والوقار وأهلها أهل العفاف وعلية الأقوام

في الناس مجالس تقرب من النار والعار في الدنيا والآخرة، فهناك مجالس في المجتمع من مجالس جهنم، من مجالس إبليس يدار في بعض مجالس اللاهين العابثين الاستهزاء بالله ورسوله وبالجنة والنار ولقاء الله، وبعضهم يستهزئ بالدعاة والعلماء وطلبة العلم، فالجلوس مع مثل هؤلاء قطعة من النار والعار والدمار والشنار في الدنيا والآخرة إلا أن يعظهم وينصحهم، وإن من الناس من حبه بُعدٌ من الله عز وجل.

قال جعفر الصادق لابنه: [[يا بني! لا تصاحب ثلاثة، فقد غضب الله عليهم: لا تصاحب عاق الوالدين فإن الله قد تبرأ منه، ولا تصاحب الكذاب فإنه يقرب لك البعيد ويبعد عليك القريب، ولا تصاحب البخيل فإنه يبيعك بأدنى سبب]].

إذا علم هذا فليعرف العبد من يجالس، ومن يؤاكل، ومن يحب، قال صلى الله عليه وسلم في حديث حسن: {لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي} ولما حضرت عمر سكرات الموت قال: [[ما آسى على الحياة إلا على ثلاث-وذكر منهم-: رفقة أجلس معهم ينتقون أطايب الكلام كما ينتقون أطايب التمر]].

وهؤلاء أولياء الله إمامهم محمد عليه الصلاة والسلام، ودستورهم القرآن، وبيوتهم المساجد.

ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضًا أهدوك من نورهم ما يتحف الساري


تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بوصفهم ذكروك الواحد الباري


من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري


وفي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: {يقول الله يوم القيامة: أين المتحابون في جلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي}.

عاقبة جلساء السوء

يا إخوة الإسلام! يا شباب الإسلام! أحذركم جلساء السوء: قوم جلسوا على الأرصفة يروجون المخدرات ويرتكبون المحرمات ويقاطعون الصلوات، ويستمعون الأغنيات الماجنات، قوم تخلوا عن الأدب، وحاربوا منهج الأنبياء والرسل، معهم كل لهو ولعب، صدوا عن منهج الله، وحرفوا شباب الإسلام عن بيوت الله.

الجليس السيء مؤذٍ، قال ابن القيم: وهل كان أشأم على أبي طالب من أبي جهل؟ أبو طالب أراد أن يتحرك في سكرات الموت ليقول: لا إله إلا الله-ولو قالها؛ لسعد في الدنيا والآخرة- ولكن منعه أشأم الناس عليه.

معلم الخير الزعيم العالمي المصلح عليه الصلاة والسلام كان عنده حين حضرت عمه سكرات الموت، فأخذ-صلى الله عليه وسلم- رداءه مسرعًا من البيت، وعلي بن أبي طالب-الشاب المؤمن- يقول: يا رسول الله!

عمك الشيخ الضال في سكرات الموت، انظر الولاء والبراء عند علي يقول: عمك، يعني: أبي الشيخ الضال، لأنه ليس مسلمًا فأخذ صلى الله عليه وسلم رداءه مسرعًا يريد أن يلحقه في ساعة الصفر-ساعة الموت- التي يذعن فيها المتكبر، ويسلم فيها الكافر، ويفتقر فيها الغني، ويلين فيها القاسي، يريد أن يظفر بلا إله إلا الله، يريد أن يحاج له بلا إله إلا الله، فدخل فجلس عنده.

ولكن الجليس السيء المجرم السفاك الأجرب أبو جهل كان جالسًا من قبل، فيقول عليه الصلاة والسلام: {يا عمِّ! قل: لا إله إلا الله؛ كلمة أحاج لك بها عند الله، فتنحنح أبو طالب واتكأ وأراد أن يقولها، فقال أبو جهل: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ لا تقل لا إله إلا الله، فمات على غير لا إله إلا الله}.

انظر إلى الجليس السيء هامان وقارون كان أحدهم عن يمين فرعون والآخر عن يساره، فكلما أراد أن يهتدي ويعلن لا إله إلا الله، خيبوا طريقه وأظلموا بصائره.

وهذه هي حاشية السوء وبطانة الردى، كلما أراد أحد أن يعمل خيرًا أو وينتج أو ينصر الدين؛ أزوه أزًا وهم شياطين الإنس والجن، فلذلك كان فرعون في قلبه لا إله إلا الله، يقول له موسى: يا مجرم! والله إنك لتعلم أنه لا إله إلا الله، كما قال تعالى: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا [الإسراء:102].

ولكن رفضها مستشاراه ووزيراه ومفوضاه، كلما أراد أن يعلن لا إله إلا الله، رفضا ولم يضر المسيرة الإسلامية إلا جليس السوء.

والعرب تقول: الصاحب ساحب، وهو لصٌ يأخذ منك ما لا تأخذ منه.

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

يقول عليه الصلاة والسلام كما صح عنه:{مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، أما حامل المسك فإما أن تشتري منه وإما أن يحذيك، وأما نافخ الكير فإما أن يحرق ثيابك أو تجد منه رائحة منتنة} فأنقذوا أنفسكم من جلساء السوء، وعصابات الإجرام، وأصحاب الفاحشة الذين يريدون أن يكون الدين عوجًا ولا يريدون صلاحًا للعباد والبلاد والأمة.

وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، أقول هذا وأستغفر الله العظيم الجليل فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

حقوق الأخوة في الإسلام

الحمد لله حمدًا حمدًا، والشكر لله شكرًا شكرًا، الحمد لله على ما أعطى، والحمد لله على ما أسدى، والحمد لله على ما رفع وسوى، الحمد لله جعلنا خير أمة أخرجت للناس، الحمد لله جعل إمامنا خير الرسل وكتابنا خير الكتب وقبلتنا خير ما يتوجه إليه، والصلاة والسلام على معلم الخير، وهادي البشر خير من بعث بالرسالة الخالدة، فأخرج الإنسان من الظلمات إلى النور وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.......

الدعاء في ظهر الغيب

الإخاء في الإسلام له حقوق، ومن حقوق الإخاء: دعوة الغائب للغائب، أن تدعو لأخيك بظهر الغيب، وأن تسأل الله-عز وجل- له التوفيق والسداد.

{عمر بن الخطاب ذهب يؤدي عمرةً-والحديث عند الترمذي- فاستأذن الحبيب عليه الصلاة والسلام ليأذن له أن يعتمر، فلما مرَّ ووقف في ساعة الوداع، قال له عليه الصلاة والسلام: لا تنسنا من دعائك يا أخي} عجبًا! التلميذ يدعو لشيخه؟ الطالب يدعو لمعلمه؟ ورقة عمر من شجرة محمد عليه الصلاة والسلام.

كان عمر يتذكر هذه الكلمة، فنسي عمر كل شيء إلا هذه الكلمة، وغفل عن كل شيء إلا هذه الكلمة، كان إذا ذكرها في أيام الخلافة بكى، وقال: [[ عجبًا {لا تنسنا يا أخي من دعائك}. كلمة ما أريد أن لي بها الدنيا وما فيها]].

وعند أحمد في المسند وغيره أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {يقدم عليكم رجل من أهل اليمن اسمه أويس بن عامر القرني، له والدة هو بها بار، أصابه برص فبرئ منه إلا موضع درهم، فمن لقيه منكم، فليطلبه ليدعو له، أو يستغفر له} سبحان الله! رجل لم يدرك الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنه رجل صالح دعاؤه مقبول، في بعض الروايات: {يشفع يوم القيامة في مثل قبائل مضر يدخلهم بإذن الله الجنة}.

قدمت وفود اليمن سنة بعد سنة، وكان أبو بكر وهو خليفة ينتظر الوفود ويسألهم، لكن ما حظي بهذا، وتوفي أبو بكر، وتولى عمر وسأل قوافل اليمن: [[أفيكم رجل اسمه أويس بن عامر؟ حتى لقي وفدًا قالوا: نعم فينا، قال: أين هو؟

قالوا: يرعى الإبل في الصحراء، وجئناك نسلم عليك-لم يكن له ميزان ومكانة من تفاهته عندهم في ميزان البشر وميزان الجاهلية، جعلوه يرعى الإبل- قال عمر: أله والدة هو بها بار؟ قالوا: نعم. قال: أصابه برص فشفي منه وبقي منه أثر؟ قالوا: نعم. قال: قوموا بنا، فقام هو وعلي على حمار والصحابة حوله]].

جزى الله المسير إليك خيرًا وإن ترك المطايا كالمزاد

سلام عليك يا عمر تركب الحمار ولكنك أرغمت الدنيا للا إله إلا الله، تركب الحمار، ولكن أبطالك دخلوا حدائق الأندلس بسيوف لا إله إلا الله، تركب الحمار، ولكنك دست تحت حذائك إمبراطورية كسرى وهرقل عظيم الروم، وأعلنتها في الخافقين أن لا حكم إلا لله.

عمر تاريخ أمة، ودستور حياة، وقصة مجد، فوصل إلى أويس ووجده يصلي الضحى ما عنده من الدنيا قليل ولا كثير.

ديننا هذا يجعل الإنسان المسكين الذي ينام على الرصيف خيرًا من ملايين مملينة من الذين ينامون في ناطحات السحاب وهم لا يعرفون الله، صاحب القصور بلا إيمان دابة، قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:125-126].

[[وقف عمر عليه على أويس فقال: من أنت؟ قال: أويس بن عامر، فسأله قال عمر: ادنُ مني، فدنا، فقبله عمر، فبكى هذا الرجل-قبلة حظي بها من عمر بن الخطاب الزاهد الشهيد الشهير، هي خير من الدنيا وما فيها- قال: استغفر لي، فبكى أويس، وقال: يا أمير المؤمنين! أأنا أستغفر لك وأنت أفضل مني؟!-إي والله، والله لـعمر أفضل من أويس وآلاف أويس.

ولكن دعوة أويس طيبة- قال: استغفر لي، قال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين، قال: أتبقى معي؟ قال: يا أمير المؤمنين! اتركني في غمار الناس لا أعرف، فتركه في غمار الناس حتى مات]].

دعوة الصالح للصالح من أحسن ما يكون وأفضل الدعاء دعوة غائب لغائب.

وصل ابن الإمام الشافعي بعد وفاة أبيه إلى أحمد، فقال له أحمد: أبوك من السبعة الذين أدعو الله لهم في السحر وأنا في السجود، سبعة أسماء كان يحفظها أحمد بأسمائهم وأسماء آبائهم، اللهم اغفر لفلان بن فلان، وفلان بن فلان... سبعة، وهذا يوم كان حب الله في قلوبهم، فلما نزل حب الدنيا في قلوبنا؛ تحاسدنا وتباغضنا وتقاطعنا وتحاربنا إلا من رحم ربك.

أيعقل أن أمة تربى على الكتاب والسنة يجلس عند القضاة الصهر مع صهره؟!

سل المحاكم والقضاة، أصبح النهب والسلب والقتل بين الجيران والأرحام، جار ما سلم على جاره أكثر من عشر سنوات من أجل قطعة أرض، أمة أعرضت عن نور الرسالة وملأت قلوبها بالتراب؛ فامتلأت غضبًا وحقدًا وحسدًا.

صفاء القلب للأخ المسلم

ومن حقوق الأخوة:

صفاء القلب للأخ المسلم أن تصافيه، وألا تجد عليه موجدة، وألا تحمل عليه ضغينة ولا غشًا، وصفاء القلوب هذا يوصل العبد إلى درجة الأبرار ويجعله أعظم من الشهداء.

محمد عليه الصلاة والسلام يجلس مع أصحابه، فيقول في الحديث المشهور: {يخرج عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فيأتي رجل معه حذاؤه بيده اليسرى مبلل من الوضوء ويتقاطر من لحيته-الجميلة الرائدة- الماء فيصلي ركعتين، وفي اليوم الثاني كذلك وفي اليوم الثالث.

فيسأله أحد الصحابة بعد أن بات عنده: ماذا كنت تعمل؟ قال: أنا لست بكثير صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولكن-والله- ما نمت ليلة فوجدت في نفسي على مسلم حقدًا أو حسدًا أو ضغينةً أو بغضًا، قال الصحابي: تلك التي ما استطعناها}.

بعض الناس يصلي في المسجد ويزكي ويصوم، ولكن لو أذن له أن يقتل كثيرًا من الناس لفعل، في قلبه نارٌ مدلهمة مؤصدة على المسلمين، وهذا يدل على انطفاء نور الإيمان.

الدفاع عن الأخ في غيبته

ومن حقوق الأخوة: أن تدافع عن أخيك في ظهر الغيب، والأعراض اليوم رخيصة، يغضب اليهودي في فلسطين لليهودي في هولندا واليهودي في هولندا يغضب لليهودي في روسيا، أما المسلمون اليوم فأصبحت أعراضهم رخيصة.

كثير ممن يدعي نصرة الإسلام، ولكنَّ عدوه اللدود أخوه المسلم، يهتك عرضه في المجالس، وينهمر في دمائه ولحمه، يعدد أخطاءه ويضخمها ويكبرها وينسى حسناته.

وهذا هو الذي عطل مسيرة الدعوة وانتصارها سنوات طويلة، ولن ننتصر إلا يوم نكون تحت راية واحدة، وحب واحد، ووراء إمام واحد وهو محمد عليه الصلاة والسلام.

النصيحة

من حقوق الأخوة: النصيحة:

ويعترف بالنصيحة ولا يعترف بالفضيحة، يقول الشافعي:

تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه

فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة

تفضحني أمام الناس، وتنصحني وتشهر بي، وتعرض سيئاتي في المجالس، وتقول: أريد هدايته، والله لو صدقت لأسررت النصيحة، ولقدمتها بقالب من الود والحب.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم}.

فأما النصيحة لله: فتجريد العبادة والتوحيد له.

وأما لرسوله: فتجريد المتابعة.

وأما لكتابه: فالإقبال عليه بشغف، وتدبره والعمل به.

وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فعدم شق عصا الطاعة ما لم يُر كفر بواح، وجمع الكلمة والدعاء لهم بظهر الغيب.

وأما النصيحة لعامة المسلمين: فأن تشفق عليهم، وتقدم لهم النصيحة بقالب من الود، قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].

عباد الله!

صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {أكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة ويوم الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله! كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت-أي بليت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء}.

اللهم صلِّ وسلم عليه ما ذكره الذاكرون وما غفل عنه الغافلون، وصلِّ على صحبه الأبرار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اهد شباب المسلمين، اللهم أصلح بالهم، اللهم كفر عنهم سيئاتهم، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، واهدهم سبل السلام، اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك.

اللهم انصر المسلمين المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر كل من نصر هذا الدين، وأعلِ كلمته، ووحد صفوف المجاهدين، واجمع شملهم على الحق يا رب العالمين.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المصدر: موقع نواحي